فعدم معرفتنا بأنفسنا يصيبنا في مقتل ويسبب لنا الهزيمة النفسية التي تحول حياتنا إلى سلسلة من الصدمات والهزات العنيفة التي تزلزل كياننا وفي الوقت نفسه تطيح بمعادلة التوازن التي هي محور النجاح في الحياة.
فتحقيق هذه المعادلة يبدأ من الداخل ... يبدأ من ضبط الإيقاع الداخلي للنفس البشرية بالتعرف عليها ، عن طريق فتح آفاق وقنوات للحوار الداخلي ، والحديث إلى النفس حديثاً إيجابياً يقوم على تعزيز الصفات الإيجابية التي يراها الآخرون فينا وتقويتها، والاستفادة أيضاً من الانطباعات السلبية التي نأخذها منهم أيضاً .
احذر جيداً أن تجعل من آراء الآخرين قانوناً يسلط على رقبتك ويهدد مستقبلك ، فكل الآراء والانطباعات التي تتلقاها هي اجتهادات شخصية وآراء فردية ولا تعكس الحقيقة بكاملها فسواءً كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية فلا تعطيها حكماً نهائياً وقداسة نورانية لا يجوز التمرد عليها أو رفضها.
وقد أشار الدكتور / عبد الكريم بكار في احدى محاضراته القيمة إشارة لطيفة في هذا الصدد عندما قال :
( لا تجعل نفسك كمن دخل غرفة مليئة بالمرايا ، المحدبة منها والمقعرة ، فيرى نفسه بأشكال وأحجام مختلفة لا تعكس له حقيقته الثابتة ) .
لا شك إنه من المهم أن يستأنس الواحد منا بآراء الآخرين ، ويأخذ من انطباعاتهم وآراءهم عن أداءه ، مواقفه ، تصرفاته ، ولكن الحذر من أن يجعلها تؤثر فيه سلباً فتخترق جداره النفسي العازل ، فيكون عرضه لأمرين أحلاهما مرّ:
الأمر الأول : يحكم على نفسه بأنه إنسان ناجح مع مرتبة الشرف ، فكل الشواهد تؤكد له ذلك ، جميل !!! ، لكن قد تقوده هذه القناعة إلى الجمود والتوقف في مكانه بدعوى إنه ناجح ، وربما يصاب بأمراض القلب المزمنة مثل الغرور والكبر والاعتزاز الزائد بالنفس ، فيفسد ما أصلحه.. وربما يكون عرضة للسقوط المزري والتراجع ويصاب بانتكاسة كبيرة تهوي به .
الأمر الثاني : إنه سيحكم على نفسه حكماً آخر جائراً بأنه إنساناً فاشلاً وغير مرغوب فيه وقدراته محدودة ، وشخصيته ضعيفة ، وليس له قيمة في الحياة ، فيصاب بالإحباط ، ويعطي نفسه شهادة بالدونية والفشل ، ومن ثم يصعب عليه النهوض إلا عن طريق الصدمة أو هزة عنيفة ربما تأتي أو لا تأتي فهي رهن الأحداث والأقدار .
من المهم أن نعلم بأن انطباعات الناس لها روافد ومصادر متباينة تبايناً واسعاً ، وتتحكم فيها عدداً هائلاً من العوامل التي قد يكون أغلبها ليس لها علاقة بالطرف الآخر ، ولكن يحكمها عادات وتقاليد وأنماط شخصية ، وعوامل نفسية واجتماعية وسلوكية ، وقد تحمل أفكاراً مسبقة وأحكاماً جاهزة نتيجة لتجارب وخبرات قديمة ، فتضعها كالطابع على الشخصية .
لذلك علينا أن نرتدي الدرع الواقي لنستقبل ونستوعب كل الانطباعات والآراء لا لنتعايش معها ، ولكن لنمسك بها ونضعها تحت الميكروسكوب، لنعزز ونقوي الإيجابي منها ، ونقوم ونعدل غير الإيجابي.
أضف إلى ذلك إن الإنسان كل يوم في ازدياد ونماء وتطور مستمر ، فليس هناك حد فاصل يفصل بينك وبين الصعود ، فكل يوم يمر يكتسب الإنسان فيه خبرات جديدة ومهارات جديدة وسلوكيات جديدة التي ترفع من رصيده من التجارب وخبرات ومهارات الحياة.
احرص على أن تتبنى مبادئ وقيم عليا في حياتك تكون مرشدة وموجهة لك ، وتكون مستعداً لأن تضحي من أجلها ، واجعلها أساساً تقيم صروح نجاحاتك ، واجعل مرجعيتك هي الفضائل والمكارم الأخلاقية ، فتكون بذلك قد وضعت القواعد الصلبة لجميع تصرفاتك وسلوكياتك التي تشكل مناعة قوية ضد أي تيارات محبطة أو مثبطة .
ثم بعد ذلك اختار لنفسك الصحبة الصالحة التي تعينك على نفسك وتكون مرآة حقيقية لشخصيتك ، وبذلك تصبح على هدى وبصيرة في تقييمك لنفسك وتقييمك لمن حولك .
فشيء وارد أن يكون هناك حقد وحسد وضغينة تريد أن تنال منك ، ومن شخصيتك ، فهذه هي طبيعة البشر ، وقد أشار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في شطر من الحديث عندما قال : " المؤمن بين خمس شدائد وذكر منها ... مؤمن يحسده ... الحديث " ،
فلا تكترث بانطباعات الآخرين إلا في حدود الترقي والتطور والتحسين الدائم . والثقة في النهاية مبعثها ثقة الإنسان بربه ، ضع أقدامك على أرض ثابتة ، واستعن بالله ، واجعل مقصدك في ثقتك في نفسك أن تؤثر في غيرك وأن تنتشل من يعاني من هذا الذي تعاني منه ، وصمم لنفسك رسالة في الحياة ، فما أجمل أن يكون للإنسان رسالة يتجرد فيها من ذاته ، ليحمل الخير والصلاح إلى الآخرين.