صدر للأستاذ مصطفى شاوي كتاب بعنوان
الإعجاز العلمي
الفلك بين العلم والدين
يونيو 2006
عن دار الطالب
المبحث
الثاني: الكون
أ.أصل الكون:
بدأت الأسئلة عن أصل الكون وبدايته منذ وجود
الإنسان فيه، وجاءت النظريات تدمغ إحداهن الأخريات، حتى وصل العلم إلى حقيقة علمية
أصبحت من المسلمات في علم الكون، لم يعترض عليها أحد، سوى أولئك الذين رأوا فيها
بعدا لا يخدم معتقداتهم وإيديولوجياتهم، القائلة بأزلية المادة وقِدم العالَم، لأن
ماله بداية لابد وأن له نهاية.
أما هذه الحقيقة فهي ما يعرف "بالانفجار
العظيم"([1])،
وخلاصة هذه الحقيقة العلمية أن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة
واللمعان والحرارة، هذه الكتلة التي أسماها البلجيكي "لومتر" البيضة
الكونية، حصل لها انفجار عظيم بتأثير الضغط الهائل الناتج عن شدة الحرارة، هذا
الانفجار فتتها وقذف بأجزائها في كل اتجاه،فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والمجرات
والنجوم.
هذا قول العلم! فماذا قال العليم الذي علم
الإنسان ما لم يعلم؟!
قال عز وجل: ]أو لم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا
رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي[ ([2])، وقال
ابن كثير([3])
أن الجميع –السموات والأرض- كان متصلا بعضها، وقال الحسن وقتادة كانت السماوات
والأرض ملتزقتين ففصل الله بنهما بالهواء.
أما في اللغة([4])؛
فالرتق هو الجمع واللم والتكريس، وهو ضد الفتق الذي يعني الانتشار والتفريق، وكل
رتق قابل للفتق، وكل فتق قابل للرتق، فأصل الكون واحد في كتاب الله عز وجل.
لكن إذا أمعنا النظر في هذه الآية، وجدنا أن الله
تعالى أقر أنه جعل من الماء كل شيء حي، نعم؛ كانت هذه البيضة الكونية أصلا من
الماء، فلقد أجمع علماء الفلك قاطبة أنه عند الانفجار العظيم تكونت سحابة من
الدخان، وهذا في كتاب الله تعالى: ]ثم استوى إلى السماء وهي دخان[ ([5])،وهذه
السحابة الدخانية، إنما أصلها من ماء حتى إن بعضهم أطلق عليه بخاراً مائياً، ويسمى
كذلك بالسديم([6]).
أليس هذا القرآن وحي من خالق الكون، نزل به الروح
الأمين على قلب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فسبحان رب العزة عما يصفون.
ب. توسع الكون:
إن هذا الكون كان في حالة من الانقباض، والانضغاط
الشديد، أي أن أجزاء الكون المتناثرة في الفضاء اليوم، كانت كتلة منضغطة متجانسة،
ذات كثافة كبيرة، وحرارة مفرطة، ولما انتشرت أجزاء هذه الكتلة، استمر هذا الانتشار
والتباعد إلى يومنا هذا، ففي سنة 1929م وضع
العالم "هوبل"([7])
قاعدة عرفت باسمه، وهي قانون تزايد بعد المجرات بالنسبة لمجرتنا أو لبعضها البعض،
ومع تقدم علوم الفزياء الحديثة، أمكن بواسطة دراسة الأطياف لضوء النجوم والمجرات([8])،
أصبح توسع الكون حقيقة علمية لا شك فيها، وقد ثبت ذلك من خلال رصد الضوء القادم من
الأجسام الكونية، حيث إنه إذا كان هذا الضوء صادرا من مصدر يقترب من الراصد –أي
الملاحظ- تنحاز حزمه كلها إلى الطيف الأزرق، وإذا ابتعد هذا المصدر عن الراصد،
تنحاز حزمه إلى الطيف الأحمر، وبناء على هذا القانون ومن خلال متابعة رصد مجموعة
من النجوم،تأكد أن الكون يتسع وأن المجرات تبتعد وتنتشر.
هذا رأي العلم بعد تجارب استغرقت زمنا، واستنزفت
نفقات، وجهود، لكنها آية كريمة تتلى في كتاب الله عز وجل، منذ نزل بها جبريل عليه
السلام على قلب محمد الأمين،]والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون[ ([9])، فكلمة
موسوعون اسم فاعل وصياغة مصدرية رائعة تعبر عن التوسع في الماضي والحاضر
والاستمرار في المستقبل، والفاعل الذي يوسع هو الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون.
ج. نهاية الكون:
تحدثنا عن استمرار هذا التوسع، فهل يا ترى لهذا
التوسع والانتشار نهاية؟!
إن محدودية الكون التي أكدها العلم، تجعل له
بداية وله نهاية، فهذا التوسع والانتشار مستمر إلى أن يصل الكون إلى نقطة تراجع،
ويبدأ في العودة إلى الانكماش من جديد، فيعود إلى تلك النقطة التي بدأ منها عند
أول مرة، وهذا قوله سبحانه وتعالى:]يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول
خلق نعيده[ ([10]). فالطي
عكس النشر([11])، فالله سبحانه وتعالى يعيد الكون كما كان أول
مرة، مطويا ومجتمعا في نقطة بدايته، فسبحان من بدأ الخلق ثم يعيده.
هل سيبدأ الكون في انفجار جديد مرة أخرى بعد أن
يعود إلى بدايته؟!
ليس لدى العلم جواب...
لكن في كتاب الله تعالى، حدد دورة حياة الكون،
انتشار ثم تقلص، ثم انتشار... رتق ثم فتق ثم رتق... سيكون انتشار بعد هذا
الانكماش، لكنه قد لا يكون كالانتشار الأول فلن يكون الكون نفسه، ولا السماء
ذاتها، وقد لا تحدث عملية رتق جديدة([12])،
قال تعالى: ]يوم نُبدل الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله
الواحد القهار[ ([13]) ليس ذلك
اليوم سوى يوم لا رجوع فيه، إنه يوم الحشر والجمع إنه يوم القيامة، قال تعالى: ]وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم
القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون[ ([14]). ومن
العجيب قوله: ]ثم استوى إلى السماء وهي دخان[ ([15])، وذكرنا
أن بداية الكون كانت دخانا، فإعادة الخلق إلى ما كان عليه يعني ستعود السماء دخانا
وهذا جلي في سورة كاملة سميت سور الدخان: ]فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين[ ([16]) ألا
يكفي هذا كله ليقول أولوا الألباب: آمنا بالله خالق كل شيء العليم بكل شيء.